السبت، 29 ديسمبر 2012

تناقض المسميات

تناقض المُسمّيات

إنّ الأسماء الخاصّة بالحروف، لها تسمية متّصلة بالحركة الدّاخلية للأصوات. وهي تنوّه في حقيقة الأمر إلى هذه الحركة. نستنطق دلالة التّناقض في مُسمّياتها، لمعرفة اتجاه حركتها، كما يلي:
أولاً: أحرف تسمّت بألف المد والهمزة: [ باء، تاء، ثاء، حاء، خاء، راء، زاء، ياء، هـاء، طاء، ظاء، فاء]. وسيلة الاتصال بين الحرف والهمزة ألف المدّ الزّمكاني، أي الممدودة بالفتحة (ا)، تؤكّد على أنّ الحركة هي بين بين في بُعدي الزّمان والمكان. وحيث أنّها تؤلّف ما بين متناقضين، فتوسّطها أظهر تحريك ما هو ثابت، ودلّ على أنّ تَناقض هذه الحروف هو مع سكون الهمزة واسترجاع الأنفاس لها، لذلك فهي حروف صارت مُتحرّكة أو مُحرّكة لغيرها، وفقاً لهذا التّناقض. على سبيل المثال: مُسمّى (فاء) دلالة التّناقض مع الهمزة، فإن عُكس الترتيب صارت: (ء-ا-ف). ومُسمّى (باء) صارت: (ء-ا-ب)، وهكذا هي مع باقي الحروف المتحرّكة بدلالة الهمزة، فالهمزة أوصلت الحرف إلى نهاية مُدركة ثمّ انكفأت لمكانها.
ثانياً: أحرف اعتمدت أسماؤها على حروفٍ أُخرى، لا تجمعها بها علاقةَ ظاهريّةً:
  1. (ص-ا-د)، و(ض-ا-د). تناقضهما مع الدّال المُندفعة. بينما تدلُّ الصّاد على الصّدّ والتّراص والتّعاضد، وتدلُّ الضاد على الالتزام والممانعة، وتناقضهما معاً في البعدين الزّمانيّ والمكانيّ، حيث الوسيط ألف الزّمكان هو مع الدّال؛ فإن عكس الترتيب لـ(صد) مَثلاً، صارت: (دص)، و(ضد) صارت: (دض)، تظهر أنّ الدّال في (دص)، و(دض)، غير متمكّنة من الاندفاع الدّلاليّ لصدود الصّاد وممانعة الضّاد.
  2. (د-ا-ل) و(ذ-ا-ل): الدّال المُندفعة الدّلالة، والذّال المُثيرة للحواس، تناقضت مع لام التّلاحم والاتصال؛ فلولا اندفاع الدّال المنطلق لَمَا توجّب حضور اللّام لإيقاف ولحم دلالتها، ولما استدعت ألف المدّ الزّمكانيّ لإنشاء وجود دلاليّ؛ لذلك نجد أنّ (لد) هي وجه مناقض جدليّاً لـ(دل)، فحيث توصّل الاندفاع إلى اللّام بدأ اللّام بالاندفاع بالدّال. و(لذ) كذلك مناقض لـ(ذل).
  3. (ع-ي-ن)، و(غ-ي-ن): التّعارض هنا مع نون الإنشاء والتكوين؛ فالمعاينة بالعين والتعمية بالغين، في تناقضهما مع الإنشاء بيّن وضروريّ فلسفيّاً ومنطقيّاًّ؛ لكي يكوّن المزمع إنشاءً وفقاً للمواصفات المعاينة بدقّة، أستوجب استدعاء حركة الزّمن، أي الياء، كوسيط لإبراز المدّة المطلوبة لهذه الحركة، لما يحتّمه من متابعة. نجد عند عكس ترتيب التسلسلين، أنّ (نع) تفيد الضّعف والنّعي، و(نغ) تفيد الوهن، فكأنّ عكس ترتيب مُسمّى الحرفين، أظهر جدل نقيضهما في المعنى.
  4. (ق-ا-ف)، و(ك-ا-ف): قاف قوّة البيان، وكاف التّكتل للمتآلف؛ هما حركتان إن استمرّتا في العنفوان أو في التّكتل تحيل الحركة إلى السّحق والمحق، لهذا جاءت فاء الفصل لتدل على النّقيض فيهما. أمّا توسّط ألف المد ها هنا، فهو أيضاً زمكاني بين بين؛ فنقيض (كف) هو (فك)، ونقيض (قف) هو (فق).
  5. (ج-ي-م): تناقض مسمّى (جيم)؛ الّتي تفيد الدّمج، هو مع ميم التّكامل، كي لا تعمل الجيم على منع الميم من تحرير حركة دمج الأشياء، ونقيضها هو (مج)؛ حيث تظهر أنّ جيم الدّمج أوقفت حركة ميم التّكامل.
  6. (ل-ا-م): تناقضها مع الميم أيضاً، لكن باتصال زمكانيّ بالألف، لحاجة التّوصيل إلى زمن ومكان، كونها تلحم وتنسج، لحاجة التلاحم إلى إتمام التكامل. وحيث أنّ (لا) هي نقيض (أل) فلا بدّ من أن لا يكون عملها بلا غاية أو بغير حساب، أو (لا إتمام)، فكانت ميم التكامل هي من يدل على تناقضها مع (لا)، كي لا يسمح بتلاحم عشوائيّ. يظهر نقيض (لم)؛ الّتي تفيد الجمع وكذلك الـ(لا إتمام)، هو (مل)، الّتي تفيد الملل والتوقّف عن المتابعة.
  7. (س-ي-ن) و(ش-ي-ن): سين: الهيمنة وبسط النّفوذ، أتت نون الإنشاء لتدل على حاجتها لنقيضها، والاتصال بالزّمن من خلال الياء، ليكون مِعياراً وأداة لِمدّة الإنشاء واستمراره؛ فـ(سن)، نقيضها (نس). وشين التّشعّب حالها كالسّين. فالتشعّب الماكر والمضلّل، دلالته مجال إنشائي وبمعيار زمني أيضاً، فـ(شن) نقيضها (نش).
ثالثاً: أحرف اعتمدت على تسمية نفسها بنفسها، فتناقضها داخليّ، وقد أسماها سلطان الأحرف الدّورية؛ إذ ينعطف أوّل الحرف على ءَاخره:
  1. (م-ي-م): حركتها زمنيّة، إذ أخذت وسيطاً ياء الزّمان. تناقضها ذاتي بين السّالب والموجب، فهي تلفظ بسلب الصّوت والهواء إلى داخل الفم مع إطباق الشّفتين، وهذه حال الإتمام الذي يراعي الظّاهر والباطن.
  2. (و-ا-و): تواصلها زمكانيّ، إذ أخذت لذلك وسيطاً ألف الزّمكان، فهي تخرج صوتاً بفتح الشّفتين وإطباقهما. ولئن استبطنت المكان فتناقضها داخلي في البعد الزّمكانيّ. حركة التموضع في حيّز تنظر فيما يناسب الحجم والسّعة.
  3. (ن-و-ن): تواصلها مكانيّ، إذْ الوسيط وهو الواو، فالإنشاء يتوجّب أنْ يتموضع في حيّز مكانيّ؛ تناقضها داخليّ التكوين، ففيها قبول ورفض. هذا الحرف يرمز به عند الصّوفيّة بـ(علم الإجمال).
صار مُمكناً الآن تفسير سبب دخول الألف، والياء، والواو في كُلِّ المفردات لتشكّل اشتقاقاتٍ متنوّعةً. فهي مادّةٌ خامٌ منتزعةٌ من مادّة ألف التأليف المتعدّدة الأشكال، والّتي لا زالت قابلة للاستعمال. لأنّ اللّسان لم يخفقها ولم يشكّلها بالصُّوَرِ الجامدة الّتي عليها باقي الأصوات. كذلك اتضح لنا مُبرّر تميّزها في النّحو والقواعد بتسميتها بأحرف العلّة، فهي تصيب جميع الحروف بلا استثناء وعلّة تشكّل أصواتها. كما أنّ هذه الحروف هي الأساس في الحركات. لذلك لا يمكن المدّ في الأصوات نفسها لأنّها جامدة. ويمكن المدّ فقط في المادّة المرفقة معها والّتي تمثّل تكوينها.
يبيّن الرّسم أدناه نشأة هيئة حركة حروف الأبجديّة العربيّة، من كمون الألف وتحفيز الهمزة مقاربة بين جدل الكون في نشوء العناصر، وجدل نشوء حروف الأبجديّة، كما يلي:
  • تحفيز الهمزة خروج هواء الرّئة يجابه بمعارضة فرضته ءَالة الصّوت بمدارجها، مكوّنة هيأة الحرف. هكذا يتمثّل صوت الحرف من تصادم تموّج الهواء في خروجه وعروجه من ءَالة النّطق، ومن النّبض بين الإنسياب والممانعة، والذي شكّل تناقضه هيئة الحرف.
  • محيط الدّائرة الأوّلى ميّز نبرة الصّوت.
  • المحيط الدّائري الثّاني الملاصق لفضاء الهمزة، يقارع المحور الأوّل بهدف تمييز التآلف والاختلاف في تشكّل الأبجديّة. بيّنت نبضة الصّوت ظهور حركته فـي هيئة تمايز المعنى. دلّ حراكها (بصيغ الألف) على القصد، من خلال الارتداد في الحروف الإثنى عشر: (باء، تاء، ثاء، حاء، خاء، راء، زاء، فاء، طاء، ظاء، هاء، ياء). بينما أظهرت الحروف الإثنى عشر الأخرى المقابلة لها جدلها مع مدارجها المختلفة. وتميّزت الحروف الثلاثة وهي الواو والنّون والميم بتناقضها الدّاخلي، وبقيت ألف المد غير منجذبة في حالة تعامد بين الزّمان والمكان.
  • أظهر المحيط الدّائري الثّالث المرمز بـ(ʅ) خروج النّبضة إلى العلن، لتشكيل الهيئة، وبناء دلالتها الحركيّة، بين السّالب والموجب. وميّز بين ما هو داخليّ، وما هو تناسقيّ، وما يفيد الارتداد. تفاعلت الحروف فيما بينها وتناقضت لتشكيل مسمّياتها..
  • بيّن المحيط الدّائري الرّابع، من خلال التناقض بالقصد والمعنى، إمكانيّة الموافقة والاختلاف، ودلالة تشكيل الثنائي.
  • عند تحريك أقراص حروف الأبجديّة الأربعة للدوائر الثّلاثة الأخيرة، المُبيّنة في الرّسم، باتجاهات مُختلفة، تنتقلُ الحروف لتأليف الكَلِمة والكلمات من الثّنائي إلى الثّلاثي والرّباعي والخماسي مُعبّرة عن جدل الوجود نفسه. هكذا يتسنّى لنا معرفة الاحتملات الممكنة في تركيب الألفاظ العربيّة.
الوصف هنا مسطّح توضيحي (ذو بعدين فقط)، بينما في الحقيقة هو مجسّم ذو أبعاد ثلاثة تتفاعل حركيّاً، يشابه النّجوم والأفلاك في طِباق السّماوات السّبع، كما وضّحنا في الملحق، فالحروف كالمجرّات في حراك مستمر لتشكيل الكلمات التي لا ينتهي احتمال تتابعها. ويمكن استعارة تصوّر ذهني لكرة من سبع أطواق مُطبقات فوق بعض، في حراك مستمر للأطواق ولجزيئات نشطة مرتبطة بالمركز؛ كما النّواة في الذّرّة، هذه النّواة هي الهمزة، والحروف متصلة بها من خلال ألف التـأليف وصيغها الأربعة. وهي أيضاً كمدارج سبعة، تتحرّك الحروف من خلالها وفق صيغ الألف. وقد وضّحنا جدليّة التناقض والتآلف بين الحروف من خلال «حركة الحروف في بنية الكَلِمة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق