السبت، 29 ديسمبر 2012

دعوة حوار

دعوة حوار

دعوة عُبور في عوالم اللُّغة العربيّة، بدأت البحثُ من صوتِ الحرف ومَخارجِ نُطقه وترتيب مُسمّياته لاستنتاج نظرية قادرة على تفسير فقه المعنى، من خلال استنطاق دلالة مسمّيات حروف الأبجديّة، ومن ثمّ تطبيق المنهج الاستدلالي على بعض ما ورد في كلام العرب وديوانهم الشعري مستعيناً بمقاربة مع التنزيل الكريم، كما يلي:
صوت الحرف
  • تشكّل صوت الحرف من تصادم الهواء المندفع من الرّئة مع حواجز تحكّمت بمخرجه أثناء تدرجه من ءَاله النّطق، أسماها الفراهيدي: المدارج.
  • تلقّت أذن السّامع الصوت وحفظته بعد أن ميّزته كنبضه لها هيأة مميّزة، للتتمكن من محاكاتها واستردادها وتبويبها، ليشكل هيئة الحرف.
  • صنّفت الأصوات كنبرات لها هيآت أمكن تقليدها وتداولها لتشكيل بداية النطق، مشكّلة أساس بناء الأبجديّة.
مسمّى الحرف
  • معنى كل حرف من حروف الأبجدية كامن في مسمّاه، فهو متألف من حرف بادئ مميّز بحركة بنائية (فتحة، ضمة، كسرة) ومن حرف وسيط هو من أحد صيغ حرف الألف أي (ألف مد، واو ياء) ومن حرف ثالث يمثل نقيض الحرف البادئ.
  • أعلن الحرف البادئ في المسمّى عن عنوانه، والحركة عن اتجاهه والحرف الوسيط عمّا يبحث والحرف الثالث المعارضه التي يلقاها.
  • أخذت الحروف وفق ذلك معانٍ تبنّاها المجتمع الذي ابتدعها أوّل مرّة، ونسج من خلال ذلك قصد الكّلِمة.
ترتيب حروف الأبجديّة
ترتيب الحروف وفق نسق (أبجد هوز..الخ) يدل على مصدر اشتقاق معناها من هيئة الحرف وفق نشأة الكون، وقد قمنا بمقاربة بين جدول مندليف للعناصر الكيماوية، وجدول نشأة الحروف، وكذلك بنشأة الكون وفق نظرية الانفجار العظيم. تقوم منهجيّة بحثنا على استنطاق مَعاني مسمّيات الحروف من خلال جدليّة الأضداد، فالحروف تجري في مسارات تقوم عليها الألفاظ، ووجهة الحرف هي في حراك زمكانيّ بحكم جدليّة توازن التناقض، ولكل حرف صفات مختلفة عن غيره تظهر في حركته وبناء معناه، وهو ما يحدّد وجهة حركة اللّفظة وتأليف الكَلام. دراسة الأبجديّة هنا تقوم على مقابلة أسماء الحروف ببعضها لمعرفة اتجاه حركة الحرف واستنطاق سبب اتخاذه اسماً خاصاً به، وتعيين دلالة المسمّى، ومن ثمّ محاولة الوصول إلى المبرّر الجدليّ والمنطقيّ لتتابع نسق ترتيبها.
المنهج الاستقرائيّ يستدعي العودة إلى تراكيب الأبجديّة، واستنباط معاني حروفها، كلّ على انفراد، لمعرفة تطوّر هذه المعاني ومقاربتها لغويّاً ومعنويّاً.  لتتابع الحروف مَعنىً فلسفيّ، في تكوينها، ونشاطها، وفعلها، وءَاليّة اختصاصها. فكمون الطّاقة المحفّزة بالهمزة هو قبل باء الانبثاق، فلا يكون الانبثاق إلّا من ضغط يسبّب تفجّره، وفي هذا الحراك تظهر جدليّة الكَمّ والكيف في انبثاق الباء من ضغط الطّاقة الكامنة. والجمع والدّمج بالجيم يكون بعد التشتّت الانفجاريّ.
هكذا، يمكن التَّأكيد على أنّ الحرف هو وعاء وهيئة الصّوت؛ تأخذ به الكَلِمة في ميادين الأفكار متنقّلة بأصوات نُطقها، كي تعيد باستمرار صياغة الزّمن في مساحة المعرفة، وتضعها في تيّارها الحركي. وأنّ لمسارات حِراكَها الزَّمكانيّ وجّهة محدّدة، وأنّ ترتيب الأبجديّة ليس بعشوائيّ، بل وفق نسقٍ إيجابيِّ السّلوك تتابعاً، وسلبيّه إذا ما تعاكس.
اتخذ الحرف نقيضه في مسمّاه للدّلالة على فاعليته، فأظهره النّقيض، كذلك أظهر تجانس اتجاه المجموعات وفقاً لخصائصها، ووفقاً لنظرية توازن التّناقض. هذا مع مراعاة أهميّة وسيلة الاتصال والتّواصل بين النّقيضين، فهي، أي الوسيلة، دالّة على اتجاه الحركة في أيّ من أبعاد الزّمان، أو المكان، أو الزّمكان.
لذلك نقرأ حركة الجدل في الحرف من خلال تعاقب حروف مسمّاه، ويدلّنا على قصد حركته مَنْ يأخذ بِهِ إلى نقيضه، وهو وسطه، ومن إدراك كيفيّة الحراك نستدل على سببه الذي عيّن الكيفيّة قبل أن تتكوّن. فنحن مع الحرف في حركة جدل معرفـيّ، إذ الأصوات المتعاقبة لمكوّن حركته مستودعة فيه، نفكّكها كي نستعيدها. حركة الجدل بيننا وبينه تضمر سيرتنا التاريخيّة وإيّاه، وهي لم تجر اعتباطاً وإنّما على سجيّتها، وفق جدل الكون ونحن منه، ولهذا نقرأ الحرف من خصائص مألوف ما عَقلناه.
إنّ وضع الكَلِمة في مكانها بين أهلها يقوم على فهم وجه الحركة فيها المتمثّل في اللّفظ الأصل، ولا يستطيع متحرّك أن يتحرّك وهو لا يعرف جهة تحرّكه
غاية الحوار
مقتضيات التثبّت من صحة منهجنا هو بيان الآراء المُخالفة، ما ذكره السّلف، وما نسعى من خلال التواصل معكم عبر هذا الموقع أو بأيّ وسيلة تساهم في متابعة تقصّي فقه المعنى لا فقه اللّغة فقط.
الموقع
نافذة استطلاعيّة تواصليّة لمتابعة قراءة كلام العرب وفق فقه المعنى وقصد الكَلِمَةِ القائم على جدل مكوّنات حروفها.
للحصول على الكتاب
Picture 198Picture 199
الناشر: دار كنعـــان للدراسات والنشر والخدمات الإعلاميّة
ص ب (443) دمشق- سورية
هاتف: 2134433 11 963+
فاكس: 3314455 11 963+
e-mail: said.b@scs-net.org
التوزيع: الفرات للنشر والتوزيع:
بناية رسامني – شارع الحمراء
ص. ب: 6435 / 113 بيروت- لبنان
هاتف: 750054 1 961+
فاكس: 750053 1 961+
e-mail:alfurat@alfurat.com

المدارج والمعارج

المدارج والمعارج

قادنا مبدأ عدم هلاك الحركة، لنستنتج أنّ الموجة الصّوتيّة للأحرف تكشف عن انتقال حركتها المتذبذبة بين محوري الزّمان والمكان، بهواء الألف ومن خلال المخارج وبتوصيف المعارج، كما يلي:
  • المدارج، كما يُسمّيها الفراهيديّ، وتمتد من أقصى الحلق مُروراً بالمراكز السّبعة وهي: الحلق، ونطع الغار، وشجرة الفم، واللّسان مقدّمته ونطعه وأسلته، واللّثة، والأسنان ثمّ الشّفتان. نمثّلها بالمحور الأفقيّ للموجة الصّوتيّة.
  • المعارج (المراقي)، أطلقنا تسميتها على الحركات الأربعة. نمثّلها بالمحور العموديّ للموجة الصّوتيّة. وهي الفتحة الزّمكانيّة. الكسرة الزّمانيّة؛ تفيد بيان الباطن. والضّمة المكانيّة؛ تفيد بيان الظّاهر، أي خاصيّة التّموضع المكانيّ. ثمّ السّكون عند التوقّف؛ أي جهد التثبيت.
  • حرف الألف الممدود (ا) غير المكلّل بالهمزة كتابةً، هو مدّ زمكانيّ تمادت به حركة الفتحة، «فالفرق بين الألف الممدود والفتحة، لا يعدو أن يكون فرقاً في الكمّية» كما ذكر إبراهيم أنيس عن ابن جِنِّي وغيره، لذلك لا نجده في مطلع أي تسلسل كونه يماثل متابعة الانطلاق حضوراً. فهو بين بين، نشير إليه للتّمييز بالخط الممتد بين الزّمان والمكان صعوداً أو نزولاً، للأظهار موقعه بين الظّاهر والباطن، وعدم تصارعه مع التجاذب الزّمكانيّ للموجة الصوتيّة.
  • كلّ انتقال لحرف من الحروف في مدارجه، عبر المحور الأفقيّ، لا بدّ أنْ تعرج (ترقى أو تميل) به حركة من الحركات، في المحور العموديّ، وإن توقّفت فثمّة سكون. يلاحظ أنّ التنوين استخدم حرف النّون في تسميته للدّلالة على قصد حركته. وهي وفق المعنى الحركيّ تفيد الإنشاء المستمرّ. إذْ قيل في المعاجم: إنّ التنوين هو علم التنكير، وترْكُه علم التعريف. نستنتج أنّ تنوين الضمّ يدلُّ على استمرار إنشاء العروج المكانيّ، وتنوين الفتح عند استمرار إنشاء التواصل الزّمكانيّ، وتنوين الكسر عند استمرار إنشاء التّواصل الزّمانيّ.إنّ نطاق التواصل موجة صوتيّة محمولة بين قُبّة قوس الظّاهر وقُبّة قوس الباطن، أي قاب قوسي الظّاهر والباطن. ذلك أنّ قبّتها وهي مُتحرّكة لها ظاهر وباطن: إنْ كانت صعوداً فوق المحور الأفقيّ، ويكون لها باطن وظاهر إنْ كانت نُزولاً تحت المحور الأفقيّ. وعندما تتوقّف الموجة عند أُذن السّامع يكون السّكون. وهذا مسار الحركة في الكَلِمة، تفصح عنها الفتحة والضّمّة والكسرة والسّكون. تبدأ الحركة وفق منهجنا بالهمزة، فتصعد ظاهراً كي تلامس مسامع ومدارك المُخاطب. ثمّ تنزلق عند نُقطة التّماس مع المحور الأفقيّ إلى باطن ينتهي بموجَة جديدة مُتصاعدة، وهكذا دواليك. وعند هذا التّماس يتداخل الالتباس بين قوس الظّاهر وقوس الباطن، فإن استوعبه المتلقّي انحنى استمراراً في التّواصل.
    دلّتنا معارج الحركة، الّتي يتذبذب خلالها الصّوتُ صُعوداً ونُزولاً، في موجة ونطاق التّواصل بين قوس الظّاهر وقوس الباطن، أنّ حركة الواو بالضّمّة حيث يتموضع الصّوت، تمثّل تعارض الجاذبيّة للتثبّت المكاني، وهي إيحاء وتوجّه لبيان المكان، ليظهر أنّ الصّوت هو عند الشّفتين وبهما. فهي إذن مَنطق الظّاهر. بينما في حركة الياء بالكسرة كمدلول زمني، وحيث الزّمان يضمر الاحتمالات المجهولة، يبطن الموجة نزولاً. فحركة الياء مسترجِعة موجةَ الصّوت إلى حيث بدأت تفرض الملاحقة، فهي تساير الجاذبيّة وتمتد معها، مِمّا يعني منطق الباطن. وعندما تمادت حركة الفتحة بين الزّمان وبين المكان، دون مقاومة للجاذبيّة، تجمّد اتجاهها بين الظّاهر والباطن، ليتشكل ألف المد، فهو مستتر بصيغ الهمزة والواو والياء. ويمثّل التعامد بين الزّمكان، إذ لم تأخذ الموجة المدلول النّهائي، ففيها احتمالي الظّاهر والباطن، وما يحدّد الإتجاه النّهائي لها هو العلاقة الجدليّة مع الحرف الذي يبدأ التسلسل، في مسعى للولوج به إلى بابي الزّمكان.
    فإذا قرأنا دلالة مدارج حركات الحروف، وفق نسق مخارجها، يتبيّن لنا أنّ الحركة في المحور الأفقي تبدأ بهمزة ألف التّأليف. إذْ نُقطة الانطلاق من أقصى الحلق بالهمزة تهمز هاء الهواء، الّذي هو أساساً يخرج من جوف الرّئة قبل أنْ يصدح بالصّوت الّذي يحمله. عند المرور مُتدرّجاً من الحلق تنشأ حركة المعاينة بحرف العين. ثُمَّ يصعد في تعاظم متنامٍ بحرف الحاء، ثُمّ يعزّز بقوّة حرف القاف. وعند أدنى الحلق، يتمّ الغبش بحرف الغين، فيتدرّج صعوداً إلى الإخماد بحرف الخاء. إلّا أنّ الأنفاس تتابع حمل الأصوات، على متن حرف الهاء. عندما تصل إلى شجرة الفم، ونطع الغار، يتحرّك اللّسان لاعِباً أساسيّاً مُكتِّلاً بداية بحرف الكاف، ومضخِّماً بحرف الطّاء، ومعظِّماً بحرف الظّاء، وصادّاً بحرف الصّاد، ومُلزِماً بحرف الضّاد، ومُنشئاً بحرف النّون، ومُستجلباً الجهد بحرف التّاء، وموصِلاً بحرف اللّام، ومُكرّراً بحرف الرّاء، ومُتحسّساً بحرف الذّال، ومُثَنِّياً بحرف الثّاء، ودالاً بحرف الدّال إلى بوّابات ءَالة النّطق: اللّثة والأسنان للتصفية والإبراز بحرف الزّاء، والشّفتان لانطلاق النّطق، فإنْ هما أُطبقتا إطباقاً فللدّمج بحرف الجيم، أو سمحت وسهّلت المرور فهو بحرف السّين، وإن شعَّبته فبحرف الشّين، حتّى يصل مخرج الشّفتين، فيديمه حرف الياء، أو يفصل بأمره حرف الفاء، أو يسترجعه حرفُ الميم للإتمام، أو يتموضع بحرف الواو. ثمّ بعد ذلك يؤكّد انبثاقه حرف الباء، مُعيداً الصّوت إلى بداية انطلاق الحركات بالهمزة. وهذا ما يوضّح جدل الحرف.
    إنّ كلّ حركة عامّة من حركات الحروف، تتألّف من ثلاثة أصوات هي عبارة عن فعل ما، والحرف الثّالث في الحركة كما رأينا في التّسلسلات، يعمل عمل لام (فعل) في موضع التّلاحم بين الصّور الثّلاثة للأصوات. هو الّذي يوحّدها ويجمعها. فكلّ صوتٍ يأتي في ءَاخر اللّفظ يعمل حركته الخاصّة بأسلوب اللّام. وهذا ما يمثّل جدل اللّفظ، فكل لفظ هو مكان في ذاته وزمان كامن فيه، يظهر دوره في جدل السّياق.

    مظاهر حركة الألف أربعة: الهمزة، والواو، والياء، والألف اللّينة الممدودة. تُفاعِلُها صيغٌ لها في البناء اللّغوي هي: السّكون، والضمّة، والفتحة، والكسرة، كما بيّنا. تُعتبر هذه الصيّغ مادّةً لبناء الأصوات وتراصِّها مع بعضها. بدون هذه المادّة لا يمكن تشكيل المفردات. فهي الّتي تؤثّر على الصّورة النّهائيّة للصوت. وكلّ صوتٍ لا بدّ أن يرتبط بتوصيلةٍ واحدةٍ من هذه الأربعة، ليمكِّنه الارتباط بصوتٍ ءَاخرٍ كما لو كان كلُّ صوتٍ يعرّف نفسه للآخر مُستعملاً إشارةً من مادّته الأصلية الّتي تكوَّن منها. أقلُّ مُفردة لا بدّ أنْ تتألف من صوتٍ واحدٍ مُستقلٍّ مع واحدٍ من هذه الصّيغ الأربعة، لتكوين حركة تخصّ هذه المفردة الأحاديّة الصّوت. الهمزة كما قلنا، نقطةٌ لابتداء ظهور حركة الألف. مثلها مثل الخط يبدأ بنقطة. إذن، نقطة الأصل همزة مُطلقة بين خطَّين على محوري حركة صوت الحرف. يفترض أنّها بلا حركةٍ. ولكن بما أنّها جزءٌ من حركة الألف تكون الفتحة في أصل تكوينها. لكنّها قد تأخذ شكلاً زمانيّاً (الياء)، أو مكانياً (الواو). هذه الهمزة هي أوّل حركةٍ ممكنةٍ بدون تحريكٍ لأدوات النّطق. يمكن أن تكون أيضاً ءَاخر حركة الألف بالاتجاه المعاكس. فهي جزء منها ولا يمكن أن تتكوّن بدونها، أمّا حركة الألف نفسها فلا يتأثّر بها ولا يتوقّف وجودها عليها.

تناقض المسميات

تناقض المُسمّيات

إنّ الأسماء الخاصّة بالحروف، لها تسمية متّصلة بالحركة الدّاخلية للأصوات. وهي تنوّه في حقيقة الأمر إلى هذه الحركة. نستنطق دلالة التّناقض في مُسمّياتها، لمعرفة اتجاه حركتها، كما يلي:
أولاً: أحرف تسمّت بألف المد والهمزة: [ باء، تاء، ثاء، حاء، خاء، راء، زاء، ياء، هـاء، طاء، ظاء، فاء]. وسيلة الاتصال بين الحرف والهمزة ألف المدّ الزّمكاني، أي الممدودة بالفتحة (ا)، تؤكّد على أنّ الحركة هي بين بين في بُعدي الزّمان والمكان. وحيث أنّها تؤلّف ما بين متناقضين، فتوسّطها أظهر تحريك ما هو ثابت، ودلّ على أنّ تَناقض هذه الحروف هو مع سكون الهمزة واسترجاع الأنفاس لها، لذلك فهي حروف صارت مُتحرّكة أو مُحرّكة لغيرها، وفقاً لهذا التّناقض. على سبيل المثال: مُسمّى (فاء) دلالة التّناقض مع الهمزة، فإن عُكس الترتيب صارت: (ء-ا-ف). ومُسمّى (باء) صارت: (ء-ا-ب)، وهكذا هي مع باقي الحروف المتحرّكة بدلالة الهمزة، فالهمزة أوصلت الحرف إلى نهاية مُدركة ثمّ انكفأت لمكانها.
ثانياً: أحرف اعتمدت أسماؤها على حروفٍ أُخرى، لا تجمعها بها علاقةَ ظاهريّةً:
  1. (ص-ا-د)، و(ض-ا-د). تناقضهما مع الدّال المُندفعة. بينما تدلُّ الصّاد على الصّدّ والتّراص والتّعاضد، وتدلُّ الضاد على الالتزام والممانعة، وتناقضهما معاً في البعدين الزّمانيّ والمكانيّ، حيث الوسيط ألف الزّمكان هو مع الدّال؛ فإن عكس الترتيب لـ(صد) مَثلاً، صارت: (دص)، و(ضد) صارت: (دض)، تظهر أنّ الدّال في (دص)، و(دض)، غير متمكّنة من الاندفاع الدّلاليّ لصدود الصّاد وممانعة الضّاد.
  2. (د-ا-ل) و(ذ-ا-ل): الدّال المُندفعة الدّلالة، والذّال المُثيرة للحواس، تناقضت مع لام التّلاحم والاتصال؛ فلولا اندفاع الدّال المنطلق لَمَا توجّب حضور اللّام لإيقاف ولحم دلالتها، ولما استدعت ألف المدّ الزّمكانيّ لإنشاء وجود دلاليّ؛ لذلك نجد أنّ (لد) هي وجه مناقض جدليّاً لـ(دل)، فحيث توصّل الاندفاع إلى اللّام بدأ اللّام بالاندفاع بالدّال. و(لذ) كذلك مناقض لـ(ذل).
  3. (ع-ي-ن)، و(غ-ي-ن): التّعارض هنا مع نون الإنشاء والتكوين؛ فالمعاينة بالعين والتعمية بالغين، في تناقضهما مع الإنشاء بيّن وضروريّ فلسفيّاً ومنطقيّاًّ؛ لكي يكوّن المزمع إنشاءً وفقاً للمواصفات المعاينة بدقّة، أستوجب استدعاء حركة الزّمن، أي الياء، كوسيط لإبراز المدّة المطلوبة لهذه الحركة، لما يحتّمه من متابعة. نجد عند عكس ترتيب التسلسلين، أنّ (نع) تفيد الضّعف والنّعي، و(نغ) تفيد الوهن، فكأنّ عكس ترتيب مُسمّى الحرفين، أظهر جدل نقيضهما في المعنى.
  4. (ق-ا-ف)، و(ك-ا-ف): قاف قوّة البيان، وكاف التّكتل للمتآلف؛ هما حركتان إن استمرّتا في العنفوان أو في التّكتل تحيل الحركة إلى السّحق والمحق، لهذا جاءت فاء الفصل لتدل على النّقيض فيهما. أمّا توسّط ألف المد ها هنا، فهو أيضاً زمكاني بين بين؛ فنقيض (كف) هو (فك)، ونقيض (قف) هو (فق).
  5. (ج-ي-م): تناقض مسمّى (جيم)؛ الّتي تفيد الدّمج، هو مع ميم التّكامل، كي لا تعمل الجيم على منع الميم من تحرير حركة دمج الأشياء، ونقيضها هو (مج)؛ حيث تظهر أنّ جيم الدّمج أوقفت حركة ميم التّكامل.
  6. (ل-ا-م): تناقضها مع الميم أيضاً، لكن باتصال زمكانيّ بالألف، لحاجة التّوصيل إلى زمن ومكان، كونها تلحم وتنسج، لحاجة التلاحم إلى إتمام التكامل. وحيث أنّ (لا) هي نقيض (أل) فلا بدّ من أن لا يكون عملها بلا غاية أو بغير حساب، أو (لا إتمام)، فكانت ميم التكامل هي من يدل على تناقضها مع (لا)، كي لا يسمح بتلاحم عشوائيّ. يظهر نقيض (لم)؛ الّتي تفيد الجمع وكذلك الـ(لا إتمام)، هو (مل)، الّتي تفيد الملل والتوقّف عن المتابعة.
  7. (س-ي-ن) و(ش-ي-ن): سين: الهيمنة وبسط النّفوذ، أتت نون الإنشاء لتدل على حاجتها لنقيضها، والاتصال بالزّمن من خلال الياء، ليكون مِعياراً وأداة لِمدّة الإنشاء واستمراره؛ فـ(سن)، نقيضها (نس). وشين التّشعّب حالها كالسّين. فالتشعّب الماكر والمضلّل، دلالته مجال إنشائي وبمعيار زمني أيضاً، فـ(شن) نقيضها (نش).
ثالثاً: أحرف اعتمدت على تسمية نفسها بنفسها، فتناقضها داخليّ، وقد أسماها سلطان الأحرف الدّورية؛ إذ ينعطف أوّل الحرف على ءَاخره:
  1. (م-ي-م): حركتها زمنيّة، إذ أخذت وسيطاً ياء الزّمان. تناقضها ذاتي بين السّالب والموجب، فهي تلفظ بسلب الصّوت والهواء إلى داخل الفم مع إطباق الشّفتين، وهذه حال الإتمام الذي يراعي الظّاهر والباطن.
  2. (و-ا-و): تواصلها زمكانيّ، إذ أخذت لذلك وسيطاً ألف الزّمكان، فهي تخرج صوتاً بفتح الشّفتين وإطباقهما. ولئن استبطنت المكان فتناقضها داخلي في البعد الزّمكانيّ. حركة التموضع في حيّز تنظر فيما يناسب الحجم والسّعة.
  3. (ن-و-ن): تواصلها مكانيّ، إذْ الوسيط وهو الواو، فالإنشاء يتوجّب أنْ يتموضع في حيّز مكانيّ؛ تناقضها داخليّ التكوين، ففيها قبول ورفض. هذا الحرف يرمز به عند الصّوفيّة بـ(علم الإجمال).
صار مُمكناً الآن تفسير سبب دخول الألف، والياء، والواو في كُلِّ المفردات لتشكّل اشتقاقاتٍ متنوّعةً. فهي مادّةٌ خامٌ منتزعةٌ من مادّة ألف التأليف المتعدّدة الأشكال، والّتي لا زالت قابلة للاستعمال. لأنّ اللّسان لم يخفقها ولم يشكّلها بالصُّوَرِ الجامدة الّتي عليها باقي الأصوات. كذلك اتضح لنا مُبرّر تميّزها في النّحو والقواعد بتسميتها بأحرف العلّة، فهي تصيب جميع الحروف بلا استثناء وعلّة تشكّل أصواتها. كما أنّ هذه الحروف هي الأساس في الحركات. لذلك لا يمكن المدّ في الأصوات نفسها لأنّها جامدة. ويمكن المدّ فقط في المادّة المرفقة معها والّتي تمثّل تكوينها.
يبيّن الرّسم أدناه نشأة هيئة حركة حروف الأبجديّة العربيّة، من كمون الألف وتحفيز الهمزة مقاربة بين جدل الكون في نشوء العناصر، وجدل نشوء حروف الأبجديّة، كما يلي:
  • تحفيز الهمزة خروج هواء الرّئة يجابه بمعارضة فرضته ءَالة الصّوت بمدارجها، مكوّنة هيأة الحرف. هكذا يتمثّل صوت الحرف من تصادم تموّج الهواء في خروجه وعروجه من ءَالة النّطق، ومن النّبض بين الإنسياب والممانعة، والذي شكّل تناقضه هيئة الحرف.
  • محيط الدّائرة الأوّلى ميّز نبرة الصّوت.
  • المحيط الدّائري الثّاني الملاصق لفضاء الهمزة، يقارع المحور الأوّل بهدف تمييز التآلف والاختلاف في تشكّل الأبجديّة. بيّنت نبضة الصّوت ظهور حركته فـي هيئة تمايز المعنى. دلّ حراكها (بصيغ الألف) على القصد، من خلال الارتداد في الحروف الإثنى عشر: (باء، تاء، ثاء، حاء، خاء، راء، زاء، فاء، طاء، ظاء، هاء، ياء). بينما أظهرت الحروف الإثنى عشر الأخرى المقابلة لها جدلها مع مدارجها المختلفة. وتميّزت الحروف الثلاثة وهي الواو والنّون والميم بتناقضها الدّاخلي، وبقيت ألف المد غير منجذبة في حالة تعامد بين الزّمان والمكان.
  • أظهر المحيط الدّائري الثّالث المرمز بـ(ʅ) خروج النّبضة إلى العلن، لتشكيل الهيئة، وبناء دلالتها الحركيّة، بين السّالب والموجب. وميّز بين ما هو داخليّ، وما هو تناسقيّ، وما يفيد الارتداد. تفاعلت الحروف فيما بينها وتناقضت لتشكيل مسمّياتها..
  • بيّن المحيط الدّائري الرّابع، من خلال التناقض بالقصد والمعنى، إمكانيّة الموافقة والاختلاف، ودلالة تشكيل الثنائي.
  • عند تحريك أقراص حروف الأبجديّة الأربعة للدوائر الثّلاثة الأخيرة، المُبيّنة في الرّسم، باتجاهات مُختلفة، تنتقلُ الحروف لتأليف الكَلِمة والكلمات من الثّنائي إلى الثّلاثي والرّباعي والخماسي مُعبّرة عن جدل الوجود نفسه. هكذا يتسنّى لنا معرفة الاحتملات الممكنة في تركيب الألفاظ العربيّة.
الوصف هنا مسطّح توضيحي (ذو بعدين فقط)، بينما في الحقيقة هو مجسّم ذو أبعاد ثلاثة تتفاعل حركيّاً، يشابه النّجوم والأفلاك في طِباق السّماوات السّبع، كما وضّحنا في الملحق، فالحروف كالمجرّات في حراك مستمر لتشكيل الكلمات التي لا ينتهي احتمال تتابعها. ويمكن استعارة تصوّر ذهني لكرة من سبع أطواق مُطبقات فوق بعض، في حراك مستمر للأطواق ولجزيئات نشطة مرتبطة بالمركز؛ كما النّواة في الذّرّة، هذه النّواة هي الهمزة، والحروف متصلة بها من خلال ألف التـأليف وصيغها الأربعة. وهي أيضاً كمدارج سبعة، تتحرّك الحروف من خلالها وفق صيغ الألف. وقد وضّحنا جدليّة التناقض والتآلف بين الحروف من خلال «حركة الحروف في بنية الكَلِمة».

موجز البحث في الابجدية ودلالاتها

موجز البحث

توصّل بحث “الأبجديّة ودلالاتُها” إلى نتائج أهمّها: أوّلاً: قصد المعنى
- لكل حرف معنىً كامن في مسمّاه.
- لكل حرف توجّهٌ إمّا زمكانيّ بالفتحة أو مكانيّ بالضّمّة أو زمانيّ بالياء.
- الحرف الوسيط في المسمّى يأخذ بيد التوجّه لتعيين ما يبحث عنه، فإن كان هو (الكم) يكون الواو هو الأداة؛ كما في (نُون)، وإن كان هو (الكيف) يكون الياء هو الأداة؛ كما في (عَين)، وإن كان ما يبحث عنه غير مُعيّن تكون ألف المد؛ كما في (دَال).
- الحرف المقابل في المُسمّى؛ أي الثّالث، يظهر ما يستبطنه الحرف البادئ من خلال نقيضه في التوجّه والقصد؛ كما في اللّام والفاء في مسمّى الألف، والدّال واللّام في مسمّى الدّال.
ثانيّاً: ترتيب الأبجديّة
أبجد هوز حطي كلمن..إلخ، هو بترتيب نشأة الكون الذي بدأت بانفجار الطاقة العُظمى، متابعةً إلى النُّجوم الكُنُّس (الثّقوب السّوداء) ومن ثمّ إلى الفناء والغياب؛ كما انبثاق الباء من كمون طاقة الهمزة، فبدأت الأبجدية بألف التأليف وانتهت بغين التغييب.
ثالثاً: حركة الحروف بين الظاهر والباطن
استدرج البحث حركة ومخرج أصوات الحروف في مدارجها ومعارجها، التي ميّزتها أُذن السّامع في تشكيل هَيئةٍ تمّ حفظها ومن ثمّ تداولها، بعد أن صيغت نبضتها كنبرة. وقد بيّنا حركتي الخروج والعروج للموجة الصوتية لتعيين الظاهر والباطن، ومغالبة كل منهما للآخر، في ولوج بابي الزّمكان.
رابعاً: جدل التأليف الثنائي بين السّالب والموجب
- كما العناصر الكيماويّة فلكل حرف خاصِّية تميّزه عن غيره، فلسفيّاً وفيزيائيّاً ممّا يحدّد علاقته بالحروف الأخرى قبولاً أو رفضاً لتشكيل الكَلِمة وتعيين قصد معناها ومجال استخدامها.
- نشأة الحروف يحكم أيضاً دلالة انسجام بناء الكلمة مع انسجام التكوين. فالحرف اللاحق نشأة يعاكس في بناء المعنى إن كان هو البادئ، كما بين: (بد، ودب). والمُلاحظ أنّ لبعض الحروف حراك بالسّالب، فإن بُدئَ به تحوّل السّالب مع السّالب إلى موجب كما هي الحال مع حرف الحاء في (حَب،وبَح).
خامساً: تأليف الثّلاثي
يتكوّن الثّلاثي من مُفاضلة بين ثُنائيين مُحتملين. فإمّا أنْ يُشتق من كُلّ منهما قصدٌ لمعنى ويتابع استعمالاً، أو يفرض أحدهما حضوره ويهمل الآخر.
- مَثلُنا فيما يُتابع بمعنيين هو اشتقاق تسلسل (ع-ص-ر) من (عص+ر) في الدّلالة على المُعْصرات، و (ع+صر) في الدّلالة على العصر كزمن الخُسر.
- مثلنا فيما هو غير مستخدم تسلسل (ج-ر-ح)، الإشتقاق من: (جر+ح)، حيث حاء التعاظم التي في حراكها الدّاخلي تأبّى الجر، بما يماثل اختراق المعارضة واستيعابها داخليّاً، أو الاشتقاق من (ج+رح)؛ أي دمج وإلغاء تعاظم التكرار.
سادساً: تشكيل الكلام
تمّ تسليط الضّوء على الفرق بين كلٍّ من الكَلِمة والكَلْمة والكلام، وبين الكلام والقول، وبين اللّغة واللّسان، وبين المفردة والسّياق.
سابعاً: ميزان الاشتقاق
توصّل البحثُ إلى وضع ميزان يُحْتكَم إليه في تقصّي بُنية حركة المعنى لبعض من الإشتقاقات كثيرة الاستعمال.
ثامناً: الحركات الإعرابيّة
تناول البحث دلالة الحركات الإعرابية من خلال جدل التناقض.
تاسعاً: الكتابة والتنقيط
تناول البحث استقصاء تطوّر كتابة الحرف السّبئي، وما توحي بدلالته النّقط التي وضعت على بعض الحروف.
عاشراً: التطبيق
استوجب البحث الاحتكام إلى كلام العرب الوارد في التّنزيل القُرءَاني الكريم والمعاجم والشّعر العربيّ، للبرهان على دلالة معاني حركة الحروف.

السبت، 17 نوفمبر 2012

معاني حروف ابجدية اللغة العربية - عاصم المصري

معاني حروف ابجدية اللغة العربية ( مرتبة حسب النشأة):
احببت ان استعين ببعض من جداول اوردها المؤلف , لتكون مدخلا صالحا للتعامل مع هذا البحث ومن ثم تصبح امكانية الولوج الى عالم الصورة التي  استغرق تكوينها ما فاق عقدا من الزمن , علما بأن المؤلف اتبع منهجية علمية , تضع النادة والشروح في متناول الباحث . والله ولي التوفيق .
                                 محمد بسام سلام 

الخميس، 15 نوفمبر 2012

بسم الله الرحمن الرحيم - توضيح معنى وقصد



توضيح معنى وقصد "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيِمِ"


يفرض علينا منهجنا ، أن نبدأ بتوضيح سبب استهلال بحثنا بِـ البَسْمَلمة . هل هي للتبرّك ، أو هي عادة المسلمين في شعائرهم ، وابتداء أعمالهم ؟ لنعاين معاً تدبُر التّنزيل ، كيف أنّها وردت في فواتح كافّة السّوَرِ القرآنية باستثناء سورة التّوبة ، التي تبتدئ بقوله تعالى : {بَرَاءةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذينَ عَاهَدتُم مِنَ المُشْرِكِينَ} التوبة1 ، هذا ما يبرهن قصد الابتداء بالبسملة في كافَّة السُوَرِ الأخرى ، مستثنياً سورة التوبة . من المعلوم أنّ كلمة (السّورة) تعني المحاطة بالسور[1] ، والتي تمثّل وحدة واحدة ، فالتّوجُّه بافتتاحها بالبسملة ، يفيد أمراً مقدّراً في الذهن والنِّيَّة ، وهو رسم القصد والغاية قبل ولوج باب السّور ، أي سور الآية . نلاحظ ابتداء ءشبه الجملة بحرف باء الانبثاق في (بسم الله) ، وهو كما ورد في بحثنا هذا "الأبجدية ودلالاتها" ، يمثّل ذراعَ وأداة العمل والحركة . كما نلاحظ أنّ الفعل المقدّر الذي يسبق شبه الجملة "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" هو أحد أفعال القلوب : أقرأ ، أهتدي ، أستنير ، أعلم ، أبصر ، أتدبّر ... إلخ . فالاقتران اللّفظي ، وابتداء فواتح السّور بـ البسملة يوجّهانا ويدلاّنا إلى ضرورة رسم الغاية من الفعل الّذي ننوي تنفيذه ، قبل الشّروع بالعمل وعند المباشرة به ، وإلاّ يكون مسعانا لهواً غير قصدي التّوجّه .
ما هو القصد إذاً من (البسملة) ، ولماذا اقترنت باسمي (الرّحمن والرّحيم)، وليس بأيّ أسماء الله الحُسنى ، كالعزيز الحكيم ، والقدير الوهّاب ، ... إلخ ؟
نتبيّن الإجابة من قصديّة (الرّحمن والرّحيم) ، في رسم غاية مسعانا عند ولوج أيّ سورة من سُوَر القرآن ؛ وبالتّالي أيّ عمل ننوي القيام به ، ألا وهو البحث داخل آيات السورة التي ننوي ولوج بابها عن (الرّحمن وعن الرّحيم) . إن أمعنّا النّظر والتفكّر بغاية ما نتوخّاه هنا ، نجد أنّه العلم بما نجهل ، والهداية في أسلوب وطريقة أداء العمل ، فلا نقع في الخطأ والخطيئة ؛ وبهما ومن خلال تدبّر ما يهدينا إليه التّنزيل في كلّ سورة ، نكون قد حقّقنا القصد الّذ نوينا البحث عنه والعمل به ، فيعفينا (علم) الرّحمن من مشقّة البحث ، بما توفّره السُورة من معلومات وعلوم ، و (عمل) الرّحيم بما يوجّهنا إليه التّنزيل في السّورة من ضوابط سلوكية تقينا الخطأ والخطيئة في العمل . وهذا لا نجده في مطلع سورة التّوبة التي استُهلّت بلفظة (براءة) بما تمثّل من تأنيب وتقريع .
من المفيد أن نتبيّن الفرق بين لفظتي (الرّحمن) و (الرّحيم) وفق المعنى الحركي للحروف وبدلالتها ، الذي هو غاية بحثنا ، كما بيّنا تفصيله في نافذة الرّاء ، في تسلسل (ر-ح-م) و (ر-ح-ي-م)[2] ، وكذلك الاستدلال على تسلسل كل من (ع-ل-م) ، (ع-م-ل) ، في نافذة العين ، لما في التقصّي من رابط قصدي ، مطلوب أن يكون إمَام ودليل وجهتنا في البحث .
نستدل من المعنى الحركي لكل من لفظتي (علم) و (عمل) ، أنّ العلم يتضمّن ويستبطن العمل ، والعمل يتضمّن ويستبطن العلم ، وكلٍّ منهما سبيل للآخر ، لاقترانهما بنفس الحروف ، وما في تبادل موقع حر في اللاّم والميم إلاّ بياناً لتأكيد التّرابط فيما أكّدنا عليه ، وكذلك هي الحال مع الـ (رحمن) والـ (رحيم) .
بعد التّعرّف على الدّلالة الحركيّة والقصديّة للبسملة ، تتضح الإجابة عن السّؤال : من أين نبدأ ؟ فإذ السّؤال يستبطن ويضمر مُسبقاً العمل ، فالمسعى إليه يكون بالعلم ، ومن رسم الغاية أوّلاً ، فما هي غاية العلم إذن ؟
الإجابة فيما أوحى إلينا به التّنزيل في سورة العلق ، وأمرنا بأن نقرأه بحرف الباء أوّلا ، لما هو من عالم الغيب ، واستدعى فتح المجال في قوله : {اقْرَأ باسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَقَ} العلق1 ، وفي عالم الواقع بحرف الواو في قوله : {اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} العلق3 ، فالدّلالة من السّياق ، والأمر بقراءة القرآن قراءتين الأولى بالباء الانبثاقية ، والتي فتح لنا بها التّنزيل عالم الغيب ، والثّانية بالواو المكانية التي أكرمنا الله بما وفّره لنا من هداية في تقليم ما ندرسه وتفحص أجزائه ومكوّناته ، وتلبية تحقيق أمره بأن نَعْلَمْ لِنَعْمَل ونَعْمَل لِنَعْلَم ، فحيث ينتهي الأوّل يبتدئ الثّاني ، وهكذا .



[1]   تسلسل (س-و-ر) وفقاً لمعنى حركة أصوات حروفه تعني : الهيمنة وبسط النفوذ بحركةالسين في توجّه للتموضع المكاني بالواو وتكرار استمراره بحركة الراء .
[2]   ر-ح-م:
 

عاصم المصري - الابجدية ودلالاتها


عاصم المصري

 المفكر والاديب والشاعرعاصم المصري , وقد لايكون الاسم شائعا ومعروفا , عند اولاد( المصلحة )فما بالك بالعامة , ولابد لي من تسليط بعض الضوء , على جوانب في حياة ومؤلفات هذه الشخصية التي ولدت في بلاد الشام , كنز الحضارات , ومنبع الرسل والمفكرين .
ولد في نابلس جنوب سوريا في 1939حيث الطبخة الصهيونية , تتجذر وتتبلور , والعرب بين متآمر ونائم وغارق في بحور البؤس  .
اكتسب معارفه العلمية الاولى في كتاتيب ومدارس فلسطين .............. واكتسب شحنات مترادفة من الذكريات غلفت رؤاه بشفافية , ولج من خلالها الى العالم الكبير ...وابحر في انواءه ..
النكبه .. حملته الى بيروت ... سفارة الحضارة والعلوم في الشرق .... درس العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ونال اجازتها في بداية الستينات من القرن الماضي ...... والتحق بجامعة بيروت العربية , فدرس التجارة والاقتصاد وتخرج في 1967 ...........
ولأن الحياة صعبة , اغرته اللعبة , فغاص في عالم التجارة , وامسك بخيوطه وابدع في ربطها , فغدت له سفينته , تتجول بين مراسيها
وتساهم في لعبة التكامل العالمي .
خطفتة اللعبة التجارية نهارا , وفي الليل يعود الى مرضه المزمن , الفكر , الادب والشعر , وامة لاتعوزها الازمات والمصائب , ولايستطيع مريضها الا ان يكون متفاعلا معها , رواية وشعرا , مقالة , وخاطرة , ودراسة ............. كتب الكثير ونشر القليل وبشكل محدود ....... 
اسس خلية اسرية نموذجية لمجتمع عربي مثالي , فزوجته فنانة تشكيلية , وغسان اكاديمي من حملة الدكتوراه يعيش المانيا , والدكتورة مزنة في بريطانيا , وسوسن في المنظمات الدولية .... اليست اسرة نموذجية للعالم العربي الذي ننشده ......؟؟؟
من مؤلفات عاصم المصري المشورة , لعنة الصمت , المحتجبه , القميم , العسلية , المحاكمه ........... الى جانب مخطوطات كثيرة تنتظر ان ترى النور ............؟
كل ماسبق يسير ويساير في سياق عادي , ولكن مادعاني البدء بسلسلة ابجد هوز اللغوية , هو ان عاصم المصري , تصدى لفتح باب موصد في اللغة العربية , الا وهو دلالات الابجدية بين النظرية والتطبيق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 
سهرات عديدة ,في السنوات القليلة السابقة ,  ابهجتنا ,بزيارات عاصم الى دمشق و طروحات عن معاني الابجدية ودلالاتها وشواهد من القرآن الكريم ونفيس اقوال العرب , وللوهلة الاولى , اعتبرت , ان ما اتى به ترفا , طالما ان اساتذتنا ومشايخنا , قد اغلقوا باب الاجتهاد في الموضوع , وقياسا على فقه اللغات الاجنبية , ماقيل في فقه اللغة العربية ينضوي في سياق علم اللغة ......
في كل جلسة كان عاصم , يستعرض جديدا , في النظرية التي تربط بين الحرف ومعناه وتلازمه مع بقية الاحرف , مما يليه وما لايليه ..... وسطر التطبيق للنظرية في جداول ناظمة , وشروح وافية ....... 
الثلاثاء 13/ 11 / 2012 كرمني المفكر العربي عاصم المصري , باهدائي النسخة الاولى من بركانه اللغوي , ( الابجدية ودلالاتها
واقول بركان دون مبالغة ولاتهويل , فهذا الكتاب بمثابة ناقوس يدق , ليدعوا سدنة اللغة العربية , ام اللغات , الى وقفة جديدة , تعيد اليها ما اعتراها , من تقصير من البحاثة والاقلام العربية
سنحاول معا عبر هذه المدونة , تقديم قراءة نقدية تحليلية لهذا الكتاب الذي قال في مستهلله :
ماكان لهذا العمل , ان يُفَكَّرَ فيه , لولا تعنيف كنت اتلقاه من عمي عبد الرؤوف المصري ( ابو رزق ) في محاولة منه تصحيح نطقي لمخارج حروف الكلمات . وادركتُ أنّ الجَنَّةَ غيرُ الجُنَّتة والجِنَّة ، وأنّ الأَربِعاء تختلف دلالةَ عن الأرْبُعاءِ والأرْبِعَاءِ.